الضوء المتبلور الحي
الضوء المتبلور الحي
لن يتغير العمل الفني هنا ولن يتحوّل حتى عندما تُدخِلون يدكم داخله، بل يُحافظ على كينونته كما هي. حينها فقط ستدركون أنه ليس سوى ماء عادي. فالعمل الفني ليس موجوداً بذاته، بل يتشكل في الظاهرة الفريدة التي تنشأ من البيئة المحُيطة به.
يتحرّر العمل الفني من قيود الشكل المادي ليصبح انعكاساً للبيئة التي تحتضنه. تتحوّل العناصر الطبيعية المحيطة بنا مثل الهواء والماء والضوء إلى ظواهر تتشكّل بفعل البيئة، وهذه الظواهر هي التي تشكّل العمل الفني وتمنحه معناه. فهو في حقيقة الأمر كيانٌ لا يمكن فصله عن بيئته وعن العناصر التي تتكوّن منها، بل يتغيّر ويتكيف معها باستمرار. ورغم إمكانية إعادة تشكيله إذا ما تعرّض لأي تدخّل خارجي، إلا أن زوال البيئة التي تحتضنه يعني زواله بالكامل. حدوده غامضة وغير محدّدة، يذوي في محيطه ويتماهى معه. ربما، مع مرور الوقت، سينتقل انتباه المُشاهد من التركيز على العمل الفني ذاته إلى إدراك الفضاء من حوله.
يتغيّر مكان ظهور العمل الفني ولونه باستمرار مع حركة المُشاهد. كل تجربة مع هذا العمل هي تجربة فريدة؛ فالعمل الذي يراه شخص ما يبدو مختلفاً تماماً للشخص الذي يقف بجواره، سواءً في اللون أو الشكل. بهذا المعنى، لا يوجد العمل الفني في فضاء مادي ثابت؛ بل يتجسّد داخل إدراك المُشاهد نفسه. تُعرف هذه الأعمال الفنية باسم "المنحوتات الإدراكية"، وهي أعمال لا توجد إلا في عالم الإدراك. إن استطاع المُشاهد إدراكها فهي موجودة.